خلال أكثر من ساعة من الأمطار الغزيرة والمتواصلة، غرقت الرياض في عاصفة الاثنين الفائت، والتقصير ينال أكثر من جهة بدءاً من الأرصاد التي لا ندري ما تملك من أجهزة واختصاصيين ، مروراً بوزارات ومديريات وأمانة العاصمة وغيرها، والغريب هو غياب التوقعات لمثل هذه المواسم بحيث يتم الاستعداد بصورة دائمة، حتى إن عائق المعابر التي ربما لم تصل لها يد الصيانة الدورية، جاء ليضاعف الغرق ، وإغلاق الطرق، وصار قطع كيلومتر واحد يحتاج لأكثر من ساعة أمام اكتظاظ السيارات وخاصة الشاحنات التي تدخل وتخرج من الشوارع والممرات الرئيسية في مختلف الأوقات وكأن العاصمة استثناء من مدن أخرى وجدت لها حلولاً تخرجها من قلب المدن إلى طرقات واتجاهات أخرى..
ساعات حرجة جاءت كاختبار صعب لأهم مدينة، وربما أكبر عاصمة عربية بالمساحة، وقد شوّه وجهها الجميل العديد من الأخطاء الهندسية والتنفيذية، وكأن من قاموا بهذا العمل في حالة غياب عن مفاجآت الطقس وهطول الأمطار بشكل يغاير كل التوقعات وفي مثل هذه الشهور، وفي الواقع من يكتب أو يتحدث ليس غايته المحاسبة والمعاتبة، وإنما الرؤية التي تفترض أن مدينة حديثة في كل شيء من المفترض أن تكون مثالية في جغرافية المدينة المتطورة التي تتلافى كل السلبيات..
الصورة الزاهية وغير المتوقعة، الشباب الذين تطوعوا لتوجيه السيارات، وفتح الطرق بمختلف الوسائل رغم برودة الطقس وشدة الأمطار وثيابهم المبللة، حتى إن المساعدة في إخراج السيارات الغارقة ، أو إسعاف العائلات في هذا الجو العاصف دلّلت على أن شبابنا ليسوا أصحاب (القزعات) والاتكاليين، أو شبه المائعين والغائبين عن واجباتهم، ولعل هذه التلقائية بروح الشهامة تؤكد أن لدينا جيلاً لا يحتاج لأكثر من التوجيه، ولو قُدر أن نظموا ودُربوا على حالات الطوارئ لأوجدنا ذراعاً أخرى تضاف إلى كافة الأجهزة، وفي أي وقت نحتاجها، ولأصبحوا نموذجاً لغيرهم في كل دول العالم عندما وجدنا المتطوعين من رجال الإطفاء، والإسعافات الأولية والأطباء، يطيرون لبلدان آسيا التي دهمها إعصار «تسونامي» أو الذهاب «لهايتي» التي تعرضت لزلزال مدمر، وشبابنا على نفس الدرجة من القدرة والاستجابة، ونماذج من قاموا بهذا العمل في حائل، وجدة ثم الرياض في أزمات متشابهة تؤكد أن دعم وترسيخ هذا السلوك يمكنهما أن يضعانا على نفس الدرجة من المسؤولية الاجتماعية، والمواطنة الحقة..
وفي حالات التغير المناخي قد تفاجئنا الكثير من المواقف في مدن الشواطئ أو الداخل، وحتى الحديث عن العواصف الترابية والزلازل والأمطار فنحن مرشحون لأنْ نكون على خط سيرها، ولعل ما جرى في المدينتين الكبيرتين الرياض العاصمة، ومدينة جدة يفتح عيوننا وآذاننا على كل الاحتمالات، وربما المفاجئة، وهنا تأتي الأجهزة المسؤولة عن تخطيط وتطوير المدن بأنْ تقف من هذه الحوادث بإعادة النظر في معظم أوضاعها، وربما لا تحتاج لأمور تعطل حواسنا عن العمل، بل إن تلافي الأخطاء البسيطة قد يغير الشكل إلى مضمون أكثر إيجابية، خاصة وأننا نملك كل القدرات البشرية والمادية..