قالت لي:
"اليوم قررتُ أن أعيد صياغة أحلامي بحبر جديد أخذته من نهر كان يجري في قاع بحر بعيد
سأعبر صفحات الماضي بسطور مسبقة ، وأخرى سأجعلها لاحقة ...
اليوم سأضع توقيعي في أول الصفحات وليس آخرها
لأستحضر كل حين ماذا أكون .. ومن أنا؟
أريد أن أتلصص على بعضها .. لأغيب عن نفسي ..
أريد أن أعرف ماذا تصنع تلك النفس بدوني .. !!
أحتاج كل حين أن أعرف قيمة روحي التي اختارها الله أن تكون خليفته على الأرض الفانية..
أحتاج أن أذكر أن تلك الروح أبدية خالدة أينما ذهب بها الموت أو اقتلعتها الحياة..!!"
قالت لي :
"سأعيد صياغة أحلامي ..
سأسحب القادم إلى الأمس البعيد .. وأرتب الحروف من جديد
إن الحلم الذي نرقبه آخر الطريق
يؤذي القلوب ..
يعبث بأيامنا ..
يتشفى بأجسادنا ..
يسخر من كل ممتلكاتنا ..
يثقل كل صباح أدمغتنا لنراه وحده ، وننسى أحلامنا الحقيقية التي رأيناها للتو ..!!"
قالت إن الفرح الذي أعطاه لها وزيرُ البكاء عليه أن يدفع ضريبة ابتهاج قلب لا يحب المفاجآت..
وأن ذلك النهر كان يصب في كأس مثقوبة
عليه أن يوقف البحث عن حبة القمح التي فقدها ذات مساء فوق سفح جبل.."
قالت لي:
إنها تبحث عن كل الأشخاص الذين مروا أمام عدسة عينيها منذ سحبتها امرأة قاسية من أحشاء أمها ..
تريد سؤالهم عن الأثر الذي تركته في هامش صفحاتهم ، وأن الرعب يجتاحها أن يحمل تاريخهم ألماً هي منبعه ..
ستقول للقادم الذي يجاهد من أجل نسيانها وضياع عنوانها:
أرجوك .. لا تفعل ..
لأن المسار اختلف ..
والنجوم تغيرت ..
كل الجسور تحطمت .. تصدعت ذات شتاء
غلّفت لأجلك عروقي وشراييني ووضعتها في غيابات الجب
موتك أهون من فقدانك ..
على الأقل في الموت نحن شركاء في الحرمان ..!!
عشت مرعوبة من الفراق أقتات الخوف كل حين ..
أدركت بعد المغيب أن خيوط الشمس لا يمكنها الوصول إلى فؤادي الوحيد
قالت لي:
إن خباز القرية ابتاعها رغيفاً على أن لا تأكل منه قبل أن تعود طفلة من جديد..
أبقت يدها معلقة في الهواء حتى يبس فؤادها وعاد الخباز طفلاً صغيراً !!
ثم غادر التنور أرضه ، وباع الربيع دكانه ، ولم يبق غير الشتاء .. وصرير باب حديديّ
صمتت دهراً ثم قالت:
"لا تصدقي شيئاً مما عنيت .. كل الاعترافات .. كلها مجرد أكاذيب ..
إنها هروب من واقع أكيد"